أثار الخبران الرئيسان اللّذان تناولا إغلاق موقع باز فيد نيوز الإخباري الحائز على جوائز وإعلان مجموعة “فايس” الإعلامية الأميركية إفلاسها قلق المعنيين بالظهور الإعلامي. إذ يحاول هؤلاء كشف كيفيّة تصميم خطط فعّالة لترويج وسائل الإعلام المكتسبة في ظل التغيّرات المتواصلة في مجال الإعلام.
وعلى الرغم من أنّ موقع باز فيد نيوز الإخباري معروف بعناوينه المضللة وأخباره المقدمة على شكل قوائم مملة، إلا أنه حاز على مجموعة من أعرق الجوائز. بما فيها جائزة المؤسسة الوطنية للصحافة في عامي 2014 و2016، بالإضافة إلى جائزة بوليتزر عن فئة تغطية الأخبار الدولية في عام 2021. ومن المحزن أننا نتّجه نحو خسارة التغطيات الحائزة على جوائز، لكن الأخبار المقدمة على شكل قوائم مملة ستبقى قائمة مستعينة بالذكاء الاصطناعي الذي من شأنه أن يملأ الفراغ الناجم عن فصل 15 في المئة من الموظفين عن العمل.
ولطالما كانت وسائل الإعلام المكتسبة الهدف الرئيسي الذي يسعى المعنيون بالظهور الإعلامي لتحقيقه. فتساهم التغطية المكتسبة في كسب ثقة القراء وزيادة مصداقية الخبر وقيمته لدى الأطراف الأخرى، بعكس ما ينتج من المحتوى المدفوع أو المحتوى الذي يُنشر على الصفحات المملوكة.
وقد أصبح من الصعوبة بمكان الحصول على. تغطية مكتسبة في ظل تراجع أعداد غرف الأخبار، إذ إنّ غالبية المؤسسات الإعلاميّة أضحت لا توظف الكثير من الصحافيين. وتفاقمت هذه الأزمة جرّاء دمج وسائل الإعلام، إذ شهدنا موجة شراء الشركات الكبرى صحف ومحطات تلفزيون محليّة. وبطبيعة الحال، تكون الخطوات التالية وضع تدابير لخفض التكاليف، بما في ذلك تسريح الموظفين والحدّ من المحتوى والموارد، ما يعني أنّ عددا أقل من الصحافيين يكتبون مقالات هادفة تلفت القراء.
ضف إلى ذلك الانتشار الواسع للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، فتجد نفسك فجأة منغمسًا بمحتويات إخباريّة، تتناقل معظمها من حساب مستخدم آخر.
ويعاني تبعات هذا التطور المعنيون بالظهور الإعلامي الذين يعملون بجهد لكسب حصة من تغطية وسائل الإعلام المكتسبة. وهنا، تُطرح أسئلة عدّة، بما فيها: كيف يستهلك الجمهور وسائل الإعلام وسط التكاليف الإضافية التي تترافق وهذه التغييرات كلّها؟ بمعنى آخر، إذا قرر المعنيون بالظهور الإعلامي أن ينشروا مقالًا لدى موقع مدفوع، فهل يعلمون من سيقرأه ومتى وأين؟
تغيير طريقة استهلاك الأخبار
صحيح أنّه ما زال بإمكانك شراء صحف ومجلات من شأنها أن تترك آثار الحبر على أناملك، لكنّ الكثير من الصحف اليوميّة قلّص إلى حدّ كبير عدد أيام الطباعة، فيما اتّجه بعضها نحو النسخ الالكترونيّة. وحلّت القنوات الإخباريّة التي تبث برامج على مدار الساعة مكان نشرات الأخبار المسائيّة.
وكما ذكرنا سابقًا، يملك الجميع هواتف ذكيّة ومعظم الأشخاص موجودون على أكثر من منصة اجتماعيّة، ما يشير إلى تغيير طريقة استهلاك الأخبار.
طريقة تقديم الأخبار تغيّرت أيضًا
كانت الصحف الأكثر تضررًا من الانتقال إلى الاستهلاك الالكتروني للأخبار لأنّ تمويلها لطالما كان معتمدًا على الإعلانات والاشتراكات فأدّى التحوّل الرقمي إلى الكثير من التجارب الفاشلة نتيجة محاولة محاكاة نماذج وطرق قديمة. وأثر التحوّل هذا على البث الإخباري، حيث أنّ المزيد من الناس يشاهدون الأخبار متى وأينما يشاؤون. وبالتالي، تحوّلت أيضًا طريقة تقديم الأخبار المدعومة من الإعلانات التلفزيونيّة.
ويبدو أنّ المنابر الإخباريّة ذات الاشتراكات المدفوعة تعمل بشكل جيّد بما فيه الكفاية. فإن كنت ترغب بقراءة الأخبار مباشرة من مصدر معيّن، عليك الدفع لقاء ذلك.
كيف يحصل الناس على الأخبار؟
من الواضح أنّ ليس كلّ من يستهلك الأخبار يدفع مبلغًا لقاء ذلك. فبحسب تقرير بحثي نشره مركز بيو للدراسات في عام 2021، يحصل نصف الأميركيين على الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة فيسبوك.. ولكن ما يعني ذلك؟ هل يصلون إلى المعلومات من خلال المواقع الإخباريّة التي تنشر مقالاتها على القنوات الاجتماعيّة أم أنّهم يتلقونها من خلال أشخاص يعطون آراءهم بخبر أو حدث معيّن من خلال منشور؟
وبحسب مقال نشره موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، يقدّر المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي “يوروستات” أنّ استهلاك الأخبار عبر الإنترنت يتزايد وتصل نسبة المستخدمين الذين يلجأون إلى المواقع والصحف والمجلات الإلكترونيّة للحصول على الأخبار والذين تتراوح أعمارهم بين 16 و74 عامًا إلى 72 في المئة. وتتغيّر الأرقام من بلد إلى آخر، لكنّها بشكل عام مرتفعة للغاية. ويشكّل الفنلنديّون النسبة الأكبر بمعدل 93 في المئة، أما البلجيكيّون فيشكلون النسبة الأقل بمعدّل 67 في المئة. وتتضاءل أعداد المستخدمين الذين يلجأون إلى المواقع الإخباريّة لتلقي الخبر لأنّ معظم هؤلاء يحصلون على الأخبار من خلال رابط يجدونه على قناة اجتماعيّة، وأعدادهم إلى ازدياد.
وكم من الأخبار التي يستهلكها الناس تصلهم من منظور أشخاص آخرين، إمّا من خلال نوع الأخبار التي يختارونها وينشرونها على حساباتهم أو من خلال مشاركة آرائهم حول موضوع معيّن بدلًا من مشاركة الخبر الأساسي؟
أو لربما يجب النظر في ما تعنيه هذه التغييرات بالنسبة إلى المستخدم النهائي والتجربة التي يختبرها. فإذا كان عدد الأخبار التي تُستهلك عبر الهواتف الذكيّة إلى ازدياد، تكون المعادلة أبعد من حثّ المؤسسات الإخباريّة على مراجعة كيفيّة تقديم الأخبار وجمعها وتوزيعها. فلا بد للمعنيين بالظهور الإعلامي من أن يفكروا بهذه الأمور أيضًا لأنّ طريقة استهلاك الأخبار من شأنها أن تؤثر على كيفيّة سرد قصص العملاء. ولطالما كان الجمهور محط التركيز؛ أما الأهميّة التي كانت تُعطي لتجربة القارئ، فكانت قليلة. لكن، كلّ هذا يتغيّر اليوم.
هل يعتبر العمر عاملًا مهمًا؟
نعم يعدّ عمر المستخدمين في بالغ الأهميّة عندما يتعلق الأمر باستهلاك الأخبار. فيصعب على المؤسسات الإخباريّة الوصول إلى الأشخاص دون سن الثلاثين لأنّ معظمهم ينجذب إلى المرئيات، كتطبيق تيك توك، وذلك بحسب النسخة الحادية عشرة من تقرير معهد رويترز حول الأخبار على المنصات الرقمية.
ويتطرق التقرير إلى بيانات تتعلّق بثقة الناس بالإعلام الرقمي واستهلاك الأخير واتجاهاته. تجدون أدناه بعض الاستنتاجات الرئيسة:
- بشكل عام، خفض الناس استهلاك الأخبار. ويشير التقرير إلى أنّ استهلاك الأخبار التقليديّة، أي الصحف والتلفاز، يستمر في الانخفاص وتبيّن أنّ استهلاك الأخبار عبر الانترنت لم يساعد في سدّ الثغرة هذه.
- في الواقع، ارتفعت نسبة المستهلكين الذين صرحوا بصريح العبارة بأنّهم أصبحوا يتجنبون متابعة الأخبار في مختلف البلدان.
- يبدو أن الاتجاه السائد في الدفع مقابل الأخبار عبر الإنترنت قد استقر.
- لا يدفع الشباب مقابل الأخبار، اذ يبلغ متوسط عمر المشترك الرقمي 50 عامًا.
- • قد يكون للتضخم العالمي تأثير كبير، حيث يقيّم بعض المستجيبين عدد الاشتراكات الإعلامية التي يمكنهم تحملها.
كما كشف التقرير أنّه عندما يتّجه الناس إلى الدفع مقابل الأخبار، تصبّ الإشتراكات في مصلحة عدد قليل من العلامات التجارية الإخبارية الوطنية ذات الأسماء الكبيرة.
ماذا يعني هذا للمعنيين بالظهور الإعلامي؟
يعني ذلك، على أقل تقدير، أنّ استراتيجية وسائل الإعلام المكتسبة تحتاج إلى الدعم من خلال قنوات أخرى ومحتوى قابل للمشاركة. كان الجمهور المستهدف هو الشباب، فيجب مراعاة العناصر المرئية أيضًا.
وبطبيعة الحال، إذا كنت تبحث عن قنوات أخرى للتغطية، فيجب أن تضع أيضًا مراقبة مستمرة لهذه القنوات وتحليلها. وتساعد المراقبة قبل البحث عن التغطية في تحديد المحتوى الذي تتجاوب معه، وتحديد المنافذ التي قد تكون أكثر تقبلاً لأخبارك، وإيجاد الطرق الصحيحة للتواصل مع جمهورك.
استهلاك الأخبار إلى تغيّر مستمر. وتدفع طريقة جمع الإخبار وتغطيتها وتوزيعها نحو هذا التغيّر. ومن هنا ضرورة تطوير كيفيّة كسب تغطية مكتسبة. فعلى المعنيين بالظهور الإعلامي أن يعيدوا النظر في تقديمهم تغطيات مكتسبة التي لا تصلح أنّ تكون مجرّد نبذات معياريّة بعد اليوم.